كان صديقي ، كنا كل يوم مع بعضنا أيام الدراسة ، كنا كالأخوة ، لكن الحياة وظروفها جعلت تلك الصداقة الكبيرة تتحول ببساطة إلى ما نسميه بالمعرفة فقط لاغير
لكن ومع ذلك كنا نسلم على بعضنا بابتسامة ، لكنني شاهدته اليوم ، مر بقربي بسرعة نظرت باتجاهه منتظرا أن نتكلم مع بعضنا أو أن نسلم على الأقل ، لكنه وبسرعة رهيبة تجاوزني واضعا" جواله على أذنه
لم أجد الوقت للنطق بكلمة السلام لأنه لم يرني مطلقا"
لحقت به قليلا للحظات فطريقنا نحو الشارع العام واحد
كان في العادة يسلم على أبو عدنان صاحب الكشك الموجود على الرصيف القريب من الشارع العام ولكنه تجاوزه بنفس السرعة ، مر من أمامه ابن عمه الذي أعرفه جيدا" لكنه كان يسير مثله تقريبا ومعه جواله أيضا" ، وكم تفاجأت عندما مر الاثنان وكادا أن يرتطما ببعضهما لكن أحدا" منهما لم يرفع رأسه ليشاهد الآخر ولم ينتبها لبعضهما
ركب الميكرو باص وركبت معه بنفس الميكرو ، وجلست في المقعد المواجه له ، كان يجلس عابسا" وكأنه ينتظر شيئا" ما ، لم يكن واضعا" جواله على أذنه لكنه كان ينظر باتجاه الجيب الذي وضعه فيه ، توقعت أن يرفع رأسه ويراني ، ورفع رأسه فعلا" ونظر باتجاه الشباك و مر سريعا" بوجهي لكنه لم ينتبه
وعاد ثانية للنظر إلى جيبه
كان الناس في الميكرو جالسين بصمت وترقب أيضا" كانوا ينظرون أيضا" نحو الأسفل أو نحو الشبابيك ولم ينظر أحد منهم نحو الآخر
كان الوضع أشبه بفيلم رعب أو حلم مزعج فيه أناس بلا مشاعر أو أحاسيس ، أين ذهبت العلاقات الاجتماعية ، وأين إفشاء السلام ، بل أين المحبة بين الناس
وفجأة وبينما كنت أفكر ، سمعت صوتا"
كان صوت أغنية أعرفها لكنها بدت مشوشة ومزعجة أكثر مما هي عليه
وهنا نظر الجميع باتجاه جوالاتهم فالكل ظن أن جواله هو الذي يرن
فتلك الأغنية منتشرة كنغمة رنين هذه الأيام
وكان الجوال الذي يرن هو جوال صديقي نفسه ، الذي رد بتلهف وتكلم بصوت منخفض وبابتسامة غريبة ، يبدو أنها صديقته أو الجو كما يقال
وهنا ابتسمت وعرفت أخيرا" السر
إنه ذلك الجهاز المدعو جوال
، أصبحنا هواتف جوالة ،
صار الجوال هو عالمنا الخاص ، لم نعد نرى شيئا" غيره ، نسينا كل العلاقات الإنسانية ، حتى صداقاتنا القديمة ، لم يعد الجار يسلم على جاره ، هذا إن عرفه إذا مر بقربه ، أصابنا داء شبيه بداء التوحد ،
إنه داء الجوال
على العموم نزلنا من الميكرو وللصدفة نزلنا في نفس المكان ، وبينما كنا ننزل معا" وقع بصرنا على بعضنا ونظر باتجاهي أخيرا" وهم بالسلام علي لكن جواله رن ثانية ، فنسي كل شيء و عاد إلى عالمه ولم يسلم
وفجأة سمعت صوتا" صادرا" من جيبي هذه المرة
آه 000إنه جوالي 000عن إذنكم 0000